الشرق الأوسط يتغير: فأين السعودية منه؟
هذا المقال يتناول تطور دور السعودية في الشرق الأوسط في ظل التحولات الإقليمية الأخيرة. ويوضح كيف تسعى السعودية لتحقيق توازن في المشهد السياسي الإقليمي، بدون التدخل في شؤون الدول.
بلال نور الدين
7/9/20251 دقيقة قراءة


تشهد منطقة الشرق الأوسط تحولاً دقيقاً منذ طوفان الأقصى، يبرز فيه دور السعودية. هذا الصعود ليس وليد المصادفة، بل هو بسبب التغيرات التي حصلت مؤخرا في الإقليم، ونتاج حسابات دقيقة ومركّبة. فإيران التي لطالما رسخت نفوذها في قلب المشرق العربي من خلال أذرعها العسكرية والسياسية، تجد نفسها اليوم في موقع دفاعي. فهي لم تخسر جغرافيا فحسب، بل انكشفت استراتيجيا أيضا. ومع هذا الانكشاف، تصبح السعودية، مركز الثقل الأساس لدى العرب. وهذا ليس من موقع رد الفعل، بل من موقع الفعل المباشر.
يتميز صعود السعودية بالسعي لتعزيز التحالفات الدولية مع الحفاظ على الاستقلالية في قراراتها. فالولايات المتحدة، المنشغلة اليوم بصراعها الاقتصادي مع الصين، تسعى إلى تخفيف التوترات في الشرق الأوسط من خلال تفويض شركاء موثوقين بإدارة الملفات الإقليمية. والسعودية، بإمكاناتها الاقتصادية واستقرارها السياسي، هي شريك فعال.
دمشق-بيروت-الرياض
في لبنان، تتزايد جهود الدولية لدعم الاستقرار والتنمية، مع تراجع نسبي للدور الفرنسي. فتشجع السعودية السلطات اللبنانية على اتخاذ إصلاحات سياسية واقتصادية، مع تعزيز الشراكات ودعم التوازنات الوطنية بما يخدم مصلحة البلاد.
أما سوريا، فتُعد اليوم محورًا مهمًا في جهود السعودية لدعم الاستقرار والسلام في المنطقة. بعد التحولات التي شهدتها البلاد في ديسمبر 2024، عملت السعودية على بناء جسور تفاهم مع مختلف الأطراف السورية. وليس طلب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من الرئيس الأميركي دونالد ترامب تخفيف عقوبات قانون قصير، واستثمارات الشركات السعودية في سوريا، إلا دليلًا على تلك الأهداف. لقد استقبلت الرياض الرئيس السابق بشار الأسد في القمة العربية، عام 2024، تحت شعار "العودة إلى الحضن العربي". لكن الأسد لم يبد أيخطوات إيجابية نحو العرب، بل أصر على البقاء في الماضي. وهكذا دفع ثمن قراراته.
مصر: ما التالي؟
لقد وقفت السعودية إلى جانب مصر وقفة الأشقاء، فلم تقصر يوما في دعم اقتصاد البلاد. لكن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بقراراته الاقتصادية وتوجهاته السياسية الأخيرة التي لا تتوافق بالضرورة مع الخط العربي، تجعل حكمه في دائرة الهشاشة. الواضح أن استراتيجية مصر السياسية، التي انتهجتها بعد 7 أكتوبر 2023، ليس الخيار الأفضل. ومما لا شك أن النظام المصري يقف أمام سؤال كبير: هل يستمر في نفس العقلية أم يُراجع نفسه؟ وقد علمنا التاريخ أن من يفضل خسارة صداقة العرب، قد يرحل في أي وقت.
بمعنى آخر، إن الرؤية السعودية أصبحت أكثر براغماتية وواقعية. فلم تعد الهوية العربية أو الانتماء القومي كافيين. لقد تغيرت قواعد اللعبة السياسية، وأصبحت خدمة المصلحة العربية هي المعيار الأساس.
السلام كورقة ضغط
إن موقف السعودية من ملف التطبيع مع إسرائيل يوضح مدى استقلاليتها ضمن التوازن الإقليمي. ففي وقت تسعى واشنطن لتسريع حسم الملف، ترفض السعودية تقديم أي تنازلات أو خطوات قبل تحقيق حل الدولتين وضمان حقوق الشعب الفلسطيني. هذا الرفض لا يعبر عن تعنُت، بل هو استخدام محسوب لأوراق القوة. إذ تُمنح الرياض بذلك ورقة تفاوضية مهمة وتُمتن شرعيتها السياسية أمام الرأي العام العربي والآخر الدولي، مؤكدة بأنها تضع شروطها الخاصة.
سياسة قائمة على المسؤولية
السعودية اليوم لا تسعى إلى فرض الهيمنة أو التدخل المباشر، بل تركز على بناء علاقات شراكة تقوم على المصالح المتبادلة والاحترام المتبادل. فمن خلال أدوات دبلوماسية مرنة وسياسات مسؤولة، تسهم في تشكيل توازنات إقليمية أكثر استقرارًا وتماسكًا.
في هذا السياق، تتبلور مرحلة جديدة في العمل العربي المشترك، تقوم على الوضوح والالتزام، حيث يُقابل التعاون بدعم صادق، بينما تُترك مساحة الاختلاف في إطار الحوار البنّاء. وتظهر السعودية كقوة مرجعية، تحرص على تعزيز الإجماع العربي، وصياغة مبادرات تصبّ في مصلحة الاستقرار الإقليمي، ضمن تفاعل متوازن مع القوى الدولية الفاعلة، بما يساهم في تجنّب الصراعات المفتوحة وتعزيز مناخ من التفاهم والحوار.