إسرائيل الوقحة: إكذب.. اقتل.. إكذب

يتناول هذا المقال استراتيجية إسرائيل في إدارة الصراعات في غزة ولبنان، وكيف تستخدم الأكاذيب والتضليل الإعلامي لتشويه الحقائق وإخفاء الانتهاكات والمجازر، مع تحليل تأثير هذه السياسات على الرأي العام الدولي واستمرار الدعم الدولي لها.

بلال نور الدين

12/4/20251 دقيقة قراءة

مجازر إسرائيل ونتانياهو في غزة ولبنان
مجازر إسرائيل ونتانياهو في غزة ولبنان

ما يجري في الشرق الأوسط منذ أكثر من عامين ليس مجرد حرب، بل اختبار عالمي يكشف حجم التناقض بين الخطاب الأخلاقي للعالم أجمع وبين ما تسمح بحدوثه فعليًا على الأرض. فالمجازر الواسعة، والدمار الشامل، وتهجير مئات الآلاف، كلها تحدث أمام كاميرات العالم، دون أن تدفع إسرائيل ثمنًا سياسيًا أو قانونيًا ينسجم مع حجم ما ترتكبه من انتهاكات.

الذكب ثم الكذب

ورغم أن العصر الرقمي حوّل كل مشهد إلى وثيقة قابلة للتحقق، فإن إسرائيل طوّرت أسلوبًا مختلفًا للتعامل مع هذه الحقيقة: بدلاً من محاولة إخفاء الوقائع، تركز على التأثير في كيفية تفسيرها. وهذا ما يجعل غزة ولبنان اليوم نموذجان لاستراتيجية جديدة في إدارة الحروب، تقوم على خلط السرديات، وضرب المصداقية، وتفكيك أي إمكانية لتشكيل رأي عالمي موحّد.

الهجوم المستمر على الأمم المتحدة ووكالاتها ليس تفصيلًا جانبيًا في هذا المشهد. فحين تُضرب الأونروا سياسيًا وتُشوه سمعتها، تتراجع آخر المؤسسات القادرة على تقديم رواية موثوقة من داخل الميدان. وبمجرد أن يصبح كل مصدر “قابلًا للشك”، يسهل تمرير روايات بديلة تُحوّل الحقيقة إلى وجهة نظر، وتساوي بين الضحية والجلاد.

هذا ما تفعله إسرائيل باستمرار. إنها تضع الجميع أمام سيل من الادعاءات المضادة، تجعل المتلقي في حالة إنهاك دائم. صورة لطفل جائع يمكن أن تُقابل فورًا بادعاء بأن الصورة “قديمة”، أو “من دولة أخرى”، أو “مفبركة”. وعندما يصبح الجوع حقيقة لا يمكن نفيها، تُطرح روايات طبية. وعندما تظهر مقابر جماعية، تُنسب المسؤولية لطرف آخر. الهدف ليس الإقناع، بل التشويش. ويكتمل هذا المشهد بلوم الضحية. فالتأكيد المتكرر على استخدام “الدروع البشرية” يُستخدم لتبرير قصف المدارس والمستشفيات ومراكز الإيواء. وبمجرد إلصاق صفة “الموقع العسكري” بأي منشأة مدنية، يتلاشى الخط الفاصل بين المدني والمقاتل في الخطاب الرسمي، بما يسمح باستمرار العمليات العسكرية دون عوائق.

الكذب أيضا وأيضا

وفي المقابل، تُقدّم إسرائيل نفسها باستمرار كطرف مهدد بالزوال. هذا الخطاب الذي يستحضر الخوف الوجودي، ليس موجهًا للداخل الإسرائيلي فقط، بل للغرب أيضًا. فهو يعيد ربط الحرب في غزة ولبنان بالمخيال الأمني الغربي الذي يبرر “الإجراءات القاسية” حين يتعلق الأمر بـ”محاربة الإرهاب”.

لكن الأهم من كل ذلك هو ما يحدث بعد كل مجزرة كبرى. ففي اللحظة الأولى، يندفع الرأي العام العالمي بالغضب، ثم تبدأ آلة العلاقات العامة بالعمل: روايات جاهزة، تأويلات بديلة، واتهامات متبادلة. وبعد تراجع موجة الغضب، تعود العمليات العسكرية كما كانت. هذا النمط تكرر عشرات المرات، من قصف المدارس إلى طوابير المساعدات.

أزمة أخلاقية متجذرة

الخطير في هذا كله أن ما يجري لا يمكن عزله عن الغطاء السياسي والعسكري الذي توفره الدول الغربية لإسرائيل. فالدعم غير المشروط، سواء في مجلس الأمن أو عبر صفقات السلاح، هو ما يجعل هذه الاستراتيجية قابلة للاستمرار. بمعنى آخر، المشكلة لم تعد مجرد “رواية إسرائيلية”، بل منظومة دولية تسمح بإنتاج هذه الرواية وتحمي نتائجها.

غزة، ولبنان على حد سواء بهذا المعنى، ليستا فقط ساحة حرب، بل مرآة تعكس أزمة أخلاقية عالمية. فعلى الرغم من أن كل جريمة أصبحت قابلة للتوثيق خلال دقائق، إلا أن ذلك لم يعد كافيًا لوقفها. التحدي الحقيقي اليوم ليس في الوصول إلى الحقيقة، بل في تغيير البنية السياسية التي تسمح بتجاهل الحقيقة. إن ما نراه اليوم هو إعلان واضح: المعرفة وحدها لا توقف الحروب. لكن الكشف عن الآليات التي تستخدمها إسرائيل لتطويع السرديات قد يكون خطوة أولى نحو إعادة تشكيل نقاش عالمي طال صمته أكثر مما يجب.